الان فهمتكم تالق فيها العمالقة - وكالة نيرون

كتب جمال الدويري:-
... ومن لا يعرفهما؟ الأستاذ الكاتب الساخر المبدع أحمد حسن الزعبي, والأستاذ الممثل المبدع, "سمعة, أبو صقر" موسى حجازين.

الآن فهمتكم, هي الوجبة السحرية التي كتب وصفتها ومقاديرها "أحمد" وطبخها وقدمها "موسى" وهندس مائدتها وأطباقها المبدع الثالث, مخرجا, الأستاذ محمد الضمور.

ساعتان من الزمن يتناول فيها الجمهور المشاهد, بنهم وتذوق, هذه الوجبة اللذيذة, التي لم يثقلها شواط ولم يبالغ طهاتها بالمقادير إلا ما اقتضاه الحال ووضع الجياع في هذا الوطن, وهنا أعني الوطن الكبير, من المحيط إلى الخليج, حتى تلك الأجزاء الغنية منه, فهناك الجوع له طعم آخر وماهية أخرى.

وكم استدعى الجمهور "المذواق" فريق العمل إليه, لشكره وتقديم عرفانه بمهنية وإبداع من حضر وقدم هذه الوجبة الدسمة, والصحية في نفس الوقت, لخلوها من الكوليسترول الضار. رافقوا العمل الجاد والأداء الرفيع بالتصفيق الذي كان شاهدا عدلا على الجودة والإتقان.

"كوميدراما" وصفتها بعد مشاهدتي لها "الآن فهمتكم" وصحبة كريمة طيبة من الزميلات والزملاء الكتاب الاليكترونيين مساء الأحد الماضي, وضحكنا كثيرا مثل كل من شاهدها منذ العرض الأول حتى اليوم, فتحقق جزء التسمية الوصفية الأولى, كوميديا, وبكيت أنا شخصيا ملء داخلي ووجداني وخوفي المنفعل والحقيقي على الوطن وأحوال مواطنيه ومستقبلنا المجهول, وسحت خلسة من عيني "دماع" حجبتها عتمة المسرح عن الحضور, امتزج بها الفرح والسعادة والأمل, والحزن والألم والإحباط في نفس الآن, فتحقق الجزء الثاني من التسمية الوصفية, دراما.

تماما مثل الحبشي الذبيح الذي يتمايل من حلاوة الروح وليس طربا وسعادة.

قالوا حلاوة روحه رقصت به فأجبتهم ما كل رقص يطرب ثلاثمائة مليون عربي يعرفون وصفة هذه الكوميديا الساخرة وعاشوها حيث هم يعيشون من شواطئ الأطلسي وحتى ضفاف الخليج الدافئ, فلم تفاجئ الأحداث مشاهدها أبدا, ولكنها أذهلتهم وهي تنقل وتجسد بهذا الوضوح والمباشرة الإيحائية من شخصية "أبو صقر" حاكما عاما بأمر الله وفرعونا من فراعنة العرب الجدد, الآمر الناهي, الحارم العاطي, كرب أسرة وولي أمرها, والذي تأخر فهمه لأفراد أسرته التي حاكت بصدق وتجربة مزدوجة حال الزوجة والأبناء والشعب المقهور في نفس الوقت.

الفقر والجوع والحرمان والقهر وفقدان الأمل, والعنجهية وعشوائية القرارات ومصادرة أبسط حقوق الفرد للأسرة والشعب كانت حاضرة وجلية على خشبة المسرح, واستحضرها كل مشهد وكل كلمة من أداء موسى حجازين ورفاقه في وجدان وذاكرة المشاهدين الذين أتوا في الواقع لينسوها للحظات.

نعم "الآن فهمتكم, هي كوميديا درامية بحق, كتبها معه بالواقع وعلى حد تعبير صاحبها المبدع أحمد حسن الزعبي, 300 مليون عربي يعيشونها ويؤدون أدوارها منذ عقود خلت. وصورها مثل كاميرا واقعية لا تفوت صغيرة ولا كبيرة في تفصيلات الواقف أمامها, الفنان الكبير موسى حجازين, الذي عرفناه وواكبنا إبداعه منذ سنوات كثيرة.

الوصلات الموسيقية الغنائية التي تخللها العرض من موسى ورفاقه والتي تجاوزت "مليحية المنسف" وسمنه البلدي, لذة ونكهة, لم تذهب بالعمل إلى "الميلودرامية" الخالصة, ولكنها عملت على تطعيمه برقي الموسيقى وحساسيتها الرائعة, بنكهة محلية شعبية ولغة مفهومة لنا جميعا بين الشاطئين العربيين.
"الأرض بتتكلم عربي" وفواصل الغناء الثوري العربي بين بين, طوقت ساعتي العرض وما يليهما بالحس القومي الجامح للخمسينات والستينات المنصرمة من القرن العشرين, ووضعتهما في إطار الماضي الذي لم يفارقنا إلا لماما ولم نفارقه إلا قليلا بحكم المستجدات وما استدعى كتابة هذا العمل وتجسيده مسرحيا من حال الوطنين العربيين الكبير والصغير.

وإني لأعتقد جازما أن العربي من غرب شمال أفريقيا وحتى حدود الإمارات العربية سوف يفهم اللهجة الأردنية التي درجة على لسان الممثلين في المسرحية موضوع الحديث, دون صعوبة تذكر, للصدق والمحاكاة الفعلية للواقع العربي المعاش وللنقل "الشبه حرفي" لما يكابد العرب جميعهم على مدار يومياتهم.
أبو صقر, الزوج والأب العاق لأسرته لم يختلف كثيرا عن ذاك الفرعون المتسلط المتعامي عن ضروريات شعبه ومتطلباتهم اليومية المادية منها والمعنوية. وبقانون السبب والمسبب عقت العائلة في النهاية وتحت ضغط إلحاح الحاجة وموت الأمل رب أسرتها وانفضت من حوله وغادروه, ولو أنني كنت أود أن أرى أبو صقر هو من يغادر باب المسرح الجانبي في حين تتمسك أم صقر وأولادها بحقهم بالوطن العائلي وعش الزوجية الذي هدمت أركانه نرجسية وأنانية وطغيان أبو صقر.

شكرا أحمد حسن الزعبي, شكرا موسى حجازين, شكرا محمد الضمور, وشكرا بقية الطاقم, وإنشاء الله "يفهموكم" أصحاب العلاقة مثلما فهمناكم نحن, وقبل أن يفهم أبو صقر العربي.

جمال الدويري

كتب جمال الدويري:-
... ومن لا يعرفهما؟ الأستاذ الكاتب الساخر المبدع أحمد حسن الزعبي, والأستاذ الممثل المبدع, "سمعة, أبو صقر" موسى حجازين.

الآن فهمتكم, هي الوجبة السحرية التي كتب وصفتها ومقاديرها "أحمد" وطبخها وقدمها "موسى" وهندس مائدتها وأطباقها المبدع الثالث, مخرجا, الأستاذ محمد الضمور.

ساعتان من الزمن يتناول فيها الجمهور المشاهد, بنهم وتذوق, هذه الوجبة اللذيذة, التي لم يثقلها شواط ولم يبالغ طهاتها بالمقادير إلا ما اقتضاه الحال ووضع الجياع في هذا الوطن, وهنا أعني الوطن الكبير, من المحيط إلى الخليج, حتى تلك الأجزاء الغنية منه, فهناك الجوع له طعم آخر وماهية أخرى.

وكم استدعى الجمهور "المذواق" فريق العمل إليه, لشكره وتقديم عرفانه بمهنية وإبداع من حضر وقدم هذه الوجبة الدسمة, والصحية في نفس الوقت, لخلوها من الكوليسترول الضار. رافقوا العمل الجاد والأداء الرفيع بالتصفيق الذي كان شاهدا عدلا على الجودة والإتقان.

"كوميدراما" وصفتها بعد مشاهدتي لها "الآن فهمتكم" وصحبة كريمة طيبة من الزميلات والزملاء الكتاب الاليكترونيين مساء الأحد الماضي, وضحكنا كثيرا مثل كل من شاهدها منذ العرض الأول حتى اليوم, فتحقق جزء التسمية الوصفية الأولى, كوميديا, وبكيت أنا شخصيا ملء داخلي ووجداني وخوفي المنفعل والحقيقي على الوطن وأحوال مواطنيه ومستقبلنا المجهول, وسحت خلسة من عيني "دماع" حجبتها عتمة المسرح عن الحضور, امتزج بها الفرح والسعادة والأمل, والحزن والألم والإحباط في نفس الآن, فتحقق الجزء الثاني من التسمية الوصفية, دراما.

تماما مثل الحبشي الذبيح الذي يتمايل من حلاوة الروح وليس طربا وسعادة.

قالوا حلاوة روحه رقصت به فأجبتهم ما كل رقص يطرب ثلاثمائة مليون عربي يعرفون وصفة هذه الكوميديا الساخرة وعاشوها حيث هم يعيشون من شواطئ الأطلسي وحتى ضفاف الخليج الدافئ, فلم تفاجئ الأحداث مشاهدها أبدا, ولكنها أذهلتهم وهي تنقل وتجسد بهذا الوضوح والمباشرة الإيحائية من شخصية "أبو صقر" حاكما عاما بأمر الله وفرعونا من فراعنة العرب الجدد, الآمر الناهي, الحارم العاطي, كرب أسرة وولي أمرها, والذي تأخر فهمه لأفراد أسرته التي حاكت بصدق وتجربة مزدوجة حال الزوجة والأبناء والشعب المقهور في نفس الوقت.

الفقر والجوع والحرمان والقهر وفقدان الأمل, والعنجهية وعشوائية القرارات ومصادرة أبسط حقوق الفرد للأسرة والشعب كانت حاضرة وجلية على خشبة المسرح, واستحضرها كل مشهد وكل كلمة من أداء موسى حجازين ورفاقه في وجدان وذاكرة المشاهدين الذين أتوا في الواقع لينسوها للحظات.

نعم "الآن فهمتكم, هي كوميديا درامية بحق, كتبها معه بالواقع وعلى حد تعبير صاحبها المبدع أحمد حسن الزعبي, 300 مليون عربي يعيشونها ويؤدون أدوارها منذ عقود خلت. وصورها مثل كاميرا واقعية لا تفوت صغيرة ولا كبيرة في تفصيلات الواقف أمامها, الفنان الكبير موسى حجازين, الذي عرفناه وواكبنا إبداعه منذ سنوات كثيرة.

الوصلات الموسيقية الغنائية التي تخللها العرض من موسى ورفاقه والتي تجاوزت "مليحية المنسف" وسمنه البلدي, لذة ونكهة, لم تذهب بالعمل إلى "الميلودرامية" الخالصة, ولكنها عملت على تطعيمه برقي الموسيقى وحساسيتها الرائعة, بنكهة محلية شعبية ولغة مفهومة لنا جميعا بين الشاطئين العربيين.
"الأرض بتتكلم عربي" وفواصل الغناء الثوري العربي بين بين, طوقت ساعتي العرض وما يليهما بالحس القومي الجامح للخمسينات والستينات المنصرمة من القرن العشرين, ووضعتهما في إطار الماضي الذي لم يفارقنا إلا لماما ولم نفارقه إلا قليلا بحكم المستجدات وما استدعى كتابة هذا العمل وتجسيده مسرحيا من حال الوطنين العربيين الكبير والصغير.

وإني لأعتقد جازما أن العربي من غرب شمال أفريقيا وحتى حدود الإمارات العربية سوف يفهم اللهجة الأردنية التي درجة على لسان الممثلين في المسرحية موضوع الحديث, دون صعوبة تذكر, للصدق والمحاكاة الفعلية للواقع العربي المعاش وللنقل "الشبه حرفي" لما يكابد العرب جميعهم على مدار يومياتهم.
أبو صقر, الزوج والأب العاق لأسرته لم يختلف كثيرا عن ذاك الفرعون المتسلط المتعامي عن ضروريات شعبه ومتطلباتهم اليومية المادية منها والمعنوية. وبقانون السبب والمسبب عقت العائلة في النهاية وتحت ضغط إلحاح الحاجة وموت الأمل رب أسرتها وانفضت من حوله وغادروه, ولو أنني كنت أود أن أرى أبو صقر هو من يغادر باب المسرح الجانبي في حين تتمسك أم صقر وأولادها بحقهم بالوطن العائلي وعش الزوجية الذي هدمت أركانه نرجسية وأنانية وطغيان أبو صقر.

شكرا أحمد حسن الزعبي, شكرا موسى حجازين, شكرا محمد الضمور, وشكرا بقية الطاقم, وإنشاء الله "يفهموكم" أصحاب العلاقة مثلما فهمناكم نحن, وقبل أن يفهم أبو صقر العربي.

جمال الدويري

Image: 
Artical Type: 
Blog Post